المجتمع

” الخوف ” قصة قصيرة

بقلم/ عاصم صبحي

قصة قصيرة ” الخوف ”
يجلس سامي في ڤيلته الكائنة باحدي التجمعات السكنية ( كومباوند ) بضواحي غرب الإسكندرية ، كانت الساعة تدق العاشرة مساءا و إذ هو مستلق علي الأريكة بحجرة المعيشة في ضؤ خافت دخل عليه ابنتاه ليلي ذات الإثني عشرة ربيعًا و رقية ذات العشر سنوات .
دخلتا مبتسمتين قائلتان في نفس واحد : مساء الخير يا بابا
رد سامي بإبتسامته الجميلة الجذابة : مساء النور علي حبايب بابا .
و قد لاحظ في عينيهما أن هناك طلب ما و أن الابتسامة ورائها شئ ، فبادرهما : اتفضلوا واقفين ليه متقعدوا ..
جلستا بجوار أبيهم واحدة عن اليمين و الأخري عن الشمال و أخذا يداعبانه بلطف و شقاوة ثم بادرته ليلي قائلة : هي الساعة كام دلوقتي يا بابا ؟
– الساعة عشرة .. ليه في حاجة ؟!!
– هو حضرتك بتتفرج علي حاجة معينة ؟
– لا يا حبيبتي أنا كنت بتابع الأخبار
– خلصت ؟
– أيوة .. عايزة حاجة ؟
– أصل في فيلم حلو عايزين نتفرج عليه
إذًا كان هذا هو الطلب أو ما كان وراء الابتسامة ، هكذا حدث سامي نفسه .
و فين مامي ؟ سأل سامي
ردت رقية متحمسة : بتحضر العشا
لم يرد سامي أن يكسر بخاطر ابنتيه و وافقهما و علي الفور تناول الريموت كنترول و غير المحطة الفضائية سائلا : الفيلم علي قناة ايه ؟ أجابت ليلي : علي قناة الحياة .
جلسوا جميعًا يشاهدون الفيلم و لم يمر سوي ربع الساعة و كان العشاء بين أيديهم يتناولونه و كان العشاء عبارة عن مجموعة سندويتشات مع العصير الفريش المفضل لدي ليلي و رقية .
كان الفيلم قد شارف علي نصفه و إذا بحوار بين بطلين من أبطال الفيلم يغير مسار الليلة بالنسبة لسامي الذي كان غير منتبه للفيلم حيث كان يتصفح هاتفه الخاص ، فوجئ سامي بسؤال ليلي
– بابا إنت بتخاف ؟!!
رد سامي مستغربا السؤال : أخاف من ايه ؟!!
– من أي حاجة .. الموت مثلا
زاده الرد تعجبًا و استغرابا و كان ذلك واضحا في رده : ليه يا حبيبتي بتسألي السؤال دا ؟! و اشمعني الموت يعني ؟!!
روت ليلي لأبيها نص الحوار الذي دار بين بطلي الفيلم و الذي لم يكن سامي منتبهًا له ، ذلك الحوار الذي استخلصت منه ليلي هذا السؤال .
استمع سامي بانتباه شديد لما روته ليلي و سرح بمخيلته في السؤال : هل تخاف .. و من الموت تحديدًا .
و ما أن انتهت ليلي من حديثها حتي سألت الصغير : بابا احنا ليه بنخاف و ايه هو الخوف ؟
زاده سؤال رقية حيرة علي حيرته : ايه الليلة اللي مش فايتة دي
هكذا حدث سامي نفسه ، فنظر إليهما قائلا : هو الفيلم دا بيخوف
ردتا : لأ
– طب خايفين من ايه بقي
– احنا مش خايفين احنا بنسأل بس
– طب مش وقت أسئلة دلوقتي .. نتفرج علي الفيلم و ندخل ننام .
بالفعل انتهي الفيلم و ذهبتا الفتاتان إلي النوم .
و بقي سامي متعجبا من السؤال و في حيرة من إجابته التي هرب منها أمام الفتاتان .
أشعل سيجارا الذي كثيرا ما يلجأ إليه حين يكون مستغرقًا في التفكير وحيدًا إذ ذهبت الزوجة إلي الفراش.
كانت حيرة سامي تتلخص في شئ واحد و هو الإجابة علي سؤال ما هو الخوف و ليه بنخاف .
لأول مرة يجد نفسه أمام مثل هذا السؤال ، كيف لم يخطر علي باله و لماذا لم يفكر بالخوف من قبل و ما هو و ما ماهيته .
خلص السيجار و انتهي سامي إلي شئ واحد و هو أنه عليه أن يرد علي هذه التساؤلات ، و لينتهز فرصة أجازته ليبحث في هذا الموضوع ،بينما يهم سامي للذهاب إلي فراشه سمع صوت مفاجئ أربكه و أصابه لوهلة بالخوف ثم انتبه إلي أن الولاعة قد سقطت علي الأرض حدث نفسه قائلا : لأ كدا الواحد يدخل ينام أحسن الموضوع هيقلب بجد ..
استيقظ سامي بالرغم من أنه في أجازة في ميعاده المعتاد السابعة صباحا لا يدور بذهنه سوي التساؤلات التي بات ليلته عليها .
كان سامي مصليا و علي خلق ، ملتزم في وظيفته كمدير بأحد البنوك ، يجيد العزف علي الجيتار كهواية ، وسيم ذو جسم رياضي ممشوق محبوب ذو طابع فكاهي لا يميل للنكد ، محب للحياة ذلك ما كان يبدو علي وجهه أينما حل و مع كل الناس ، فكان من الصعب أن تحدد عمره إذ كان يبدو صغيرا عن أن يكون في منتصف الأربعينات .
تناول سامي إفطاره الخفيف و جلس في الحديقة الملحقة بالڤيلا يشرب قهوته و إذا به يقرر أن يتصل بصديقه الصحفي شريف .
اتصل به بالفعل و روي له ما حدث في ليلته طالبًا منه أن يشير عليه ماذا يفعل حيث أن صاحب الحسابات لا يجيد التفكير و التأمل في مثل هذه المواضيع ، نصحه شريف بأن يبدأ بالبحث علي الإنترنت . لم يكذب سامي خبر قام إلي مكتبه و بدأ البحث علي الإنترنت مستخدما اللابتوب الخاص به ، و إذا به يقرأ الموضوع بعد الموضوع و يتنقل بين الصفحات التي ورد بها لفظ الخوف ، وجد نفسه يقرأ و يقرأ فلأول مرة يعرف أن هذا الشعور الخفي موجود في جميع خلق الله سبحانه و تعالي . فهو شعور فطري في الخلق جميعا لا يوجد مخلوق لا يخاف ، و لكن من ما يخاف ؟
نتفق جميعا كمخلوقات في خوفنا علي الحياة ، نخاف أن نفقد حياتنا بالموت ، نحرص علي بقائنا علي قيد الحياة ليس خوفًا من الموت و لكن حبا في الحياة .
ثم يتميز الإنسان عن باقي المخلوقات بأنواع عدة و مختلفة من الخوف . إذًا فإن الخوف نفسه مخلوق من مخلوقات الله عز و جل . هل يخاف الخوف ؟ نعم ، كيف لا و هو مخلوق إلا أنه ليس لديه ما يخافه إلا الله سبحانه و تعالي .
إذًا هذه هي الإجابة التي خلص إليها سامي من بحثه أن لا خوف من شئ قد خلقه الله بل الخوف كل الخوف من الله جل في علاه .
كيف لا و هو القائل في كتابه الكريم : ” إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياؤه فلا تخافوهم و خافونِ إن كنتم مؤمنين ” آل عمران ١٧٥
سعد سامي كثيرا بنتيجة بحثه التي أضافت إليه الكثير بالطبع حيث لم يقدم علي القراءة في مثل هذه المواضيع من قبل ، و أضاف لنفسه معلومة أخري أن هناك ما هو أقوي من الخوف ألا و هو الرعب !!
و جاءت ساعة الرد علي سؤال ليلي التي قد نسيت الحوار و السؤال من الأساس ، إلا أنه أراد أن يرد لها الدرس الذي قد تلقاه علي يديها بسبب سؤالها عن الخوف و أن يظهر لها اهتمامه بما تقول و تسأل عنه .
فإذا به يجلس معها أمام اللابتوب و يجري معها البحث حتي تستفيد و تعرف طريق القراءة و البحث و وعدها بأنه في الأجازة القادمة سوف يصطحبها إلي المكتبة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق