مقال

أَضْحَكَ و أَبْكَي

بقلم عاصم صبحي

 

أسبوع مضي علي تلك الواقعة التي سأرويها لك في سياق مقالي هذا ، ترددت كثيرًا خلال هذه الأيام السبع في اتخاذ قرار الكتابة عنها ، إذ كان أمامي خيارين ، أحدهما أن أكتب منشور علي موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من عدة سطور بسيطة أطرح فيه الفكرة و أعرضها مباشرة ، و الآخر هو الذي بين يديك و تحت نظرك تقرأه الآن ، إذ غلب خيار طرح فكرتي و موضوعي في صورة مقال علي قرار صياغتها في مجرد منشور ” بوست ” ، و لا داعي لذكر أسباب التردد و لا أسباب غلبة قرار علي قرار ، فإلي أحداث الواقعة ..
بعد منتصف ليلة ثاني أيام عيد الأضحي المبارك بقليل تلقت زوجتي مكالمة هاتفية من زوجة أخيها تبلغها فيها بوفاة والد زوجة أخيها الآخر ، انزعجت زوجتي كثيرًا أثناء تلقيها الخبر و من ثم أنا حين أنبأتني به ، فقد عرفت الرجل رحمه الله طيب القلب ودود ، سباق للخير و صاحب واجب في المناسبات السعيدة منها و الحزينة علي حد سواء .
كانت صلاة الجنازة بعد صلاة الظهر بإحدى مساجد منطقة الشاطبي ، و دفن في مقابر المنارة ، شهد الجنازة جمع غفير ، دلالة علي حب الناس له ، التف الجمع حول المدفن أثناء الدفن ، و سخر الله له من يدعو له بصوت جهوري و نحن نأمن ، كان مشهد مهيب تقشعر له الأبدان ، وقفت متأملًا داعيًا له بما استيسر من الدعاء النابع من القلب ، ذلك لما للرجل من معزة خاصة في قلبي لله و في الله ..
انتهت مراسم الدفن و العزاء و اصطحبت زوجتي في سيارة أجرة عائدًا إلي منزلي و قد انتابتني حالة حزن عميقة تسببت في حشرجة صوتي ، حزنًا علي الرجل و شفقة علي نفسي ، وصلنا إلي محطتنا و ترجلنا من السيارة ، طلبت زوجتي مني أن نتوقف عند بائع العصير فقد اشتهت كوب عصير قصب و هو ما كنت أفكر فيه أيضًا ، دخلنا إلي المحل طلبت كوبين عصير من الشاي البائع ، فإذا به يخيرني بين كوب من البلاستيك أو كوب زجاجي ، فاخترت ، فخيرني بين الحجم الكبير و الصغير فاخترت ، فإذا بأساريري قد بدأت تنبسط و تنفرج شيئًا فشيئًا .
ثم قررت أن أشتري كوبين من العصير لابنتاي ، فإذا به يعيد الكرة و يخيرني بين أن يضع العصير في زجاجة أم أكياس بلاستيك فاخترت ، بشفاطة أم بدون فاخترت ، و إذا بانفراجة الأسارير تصير ضحك و تبادل لكلمات الهزار و الأفشات ، خرجت من المحل و قد تبدل حالي تمامًا ، من انسان مهموم حزين باكي إلي آخر مبتسم مسرور منشرح ، و كان أول ما نطق به بعد خروجه من المحل سبحان الله ، سبحان الذي أبكي ، سبحان مغير الأحوال ، ففي خلال عشر دقائق تبدل الحال فسبحان الذي أضحك ، يقول سبحانه و تعالي في سورة النجم : ” وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ ” آيه ٤٣ .
هكذا هي أمور حياتنا جلها من الميلاد إلي اللحد بين يدي الله سبحانه و تعالي ، لا نملك لأنفسنا شيئاً ، فلن يكون إلا ما أراده من أمره بين الكاف و النون ، صاحب أمر ” كن ” ” فيكون ” .
يؤتي الملك لمن يشاء و ينزعه ممن يشاء ، يعز و يذل من يشاء ، يؤتي الحكمة لمن يشاء ، يحي و يميت و هو علي كل شئ قدير .
يمن علينا بالذكر ، فإذا ذكرته سبحانه و تعالي فهذا فضل منه عليك إذ يقول في كتابه الكريم في سورة المدثر : ” فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) ” .
فما لنا نتكالب و نتصارع علي الحياة و ملذاتها و نعيمها ، و نتحاسد و نتحاقد و لسنا بآخذين شئ منها سوي العمل الصالح و الكلمة الطيبة ، و لا يبقي مننا بعد الرحيل سوي السيرة الحسنة و الأثر الطيب الذي قد يكون في كلمة طيبة أو احسان أحسنته لإنس أو حيوان .
سعيك الطيب في الدنيا تجني ثماره في الآخرة ، قلبك السليم هو طوق نجاتك ، صفاء نيتك و اخلاصك لله في عملك هما جنتك في الآخرة .
إن الله هو السند و منه المدد ، فمن عساه ينجينا في ظلمات البر و البحر ، من عساه يهدينا سبل الرشاد و يسبب لنا الأسباب ألم يقل في كتابه الكريم متحدثًا عن ذي القرنين في سورة الكهف : ” إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ” آيه ٨٤ .
و كما بدأت مقالي هذا بمثل أختمه بمثل ، فقد بدأت كتابة هذا المقال في الخامس من يوليو الجاري و لظروف خارجة عن ارادتي توقفت عن اكماله حتي شاء السميع العليم أن أتمه اليوم السادس عشر من يوليو ، فسبحانه مسبب الأسباب و متن النعم ، أقول ما أقول هنا عزيزي القارئ بهدف الإسقاط علي أوضاعنا الحالية و ما نعانيه في حياتنا من غلاء أسعار و فساد أنفس و أخلاق ، و ضياع حقوق و جور حكام ، إذ أن الأمر كله بيد الله سبحانه و تعالي : ” وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ” سورة الكهف آيه ٢٩ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق