مقال

أشوفك علي خير

عاصم صبحي

أشوفك علي خير

بهذه العبارة ” أشوفك علي خير ” و التي تحتوي علي فيض من الحب و الود و أسمي الأماني و أطيبها ، ودع بعضهم البعض في نهاية يومهم الذي أعدوا له العدة و بدأوه حتي مرت ساعاته المعدودة و أختتم تاركًا أجمل و أسعد الذكريات ، و من ثم يوضع في خزانة ذكرياتهم السعيدة ، تلك الخزانة تحوي أيام تعد بالسنين ، سنون طويلة هي عمرهم ، تحوي ملفات شخصية ، ملفات ثنائية و ملفات جمعية ، ليست أوراق و لا مستندات ، و إنما ذكريات مواقف و أحداث عمرها خمسين عامًا .
قد يسألني سائل ، و من هؤلاء الذين تحدثنا عنهم ؟! ، أقول له و أجبه ، إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، و لا مبالغة عزيزي القارئ في كلامي ، فإن كنت عيشت معهم و عاشرتهم و صادقتهم طيلة الخمسين عامًا السابق ذكرها لقلت مثل ما أقول .
دعني أصطحبك في جولة خاطفة تلقي من خلالها نظرة من علٍّ علي يومهم الذي قضوه معًا .
بادئ ذي بدء ، هو يوم قد اتفقوا و عقدوا العزم علي أن يكون سنوي ، و ها هو ذا عامهم الخامس علي التوالي ، في أواخر أيام الصيف و استقبال أيام الخريف ، و كأنهم يتحدون خريف عمرهم ، فهذا اليوم يجدد شبابهم بل و صباهم ، يرتبون له و يعدون ، من العد و الإعداد ، يعِدون له ما لذ و طاب ، و يعُدون له الأيام حتي ساعة الصفر ، و لك أن تتخيل كم السعادة التي تغمرهم فردا فردا ، كالطفل الذي سيخرج مع قرنائه في رحلة مدرسية فلا ينام ليله حتي يستقبل صباحه بكل نشاط و حيوية و يسعد باللعب في الهواء الطلق مع زملائه و أصدقائه .
جمعتهم مدرسة و نجحت في أن لا تفرقهم ، عرفوا من خلال تلك المدرسة و تعلموا الحب و شبّوا عليه ، فنشأت بينهم محبة ليس لقطعها سبيل ، فقد غزلوا خيوط محبتهم و نسجوها في نسيج استعصي علي الزمن .
يبيتون ليلة تجمعهم ، البعض منهم ، في ضيافة أحدهم علي ساحل عروس البحر الأبيض ، و في صبيحة يومهم يتوافد الباقون ، يسابق بعضهم البعض في من يصل قبل الآخر ، يصلون من كل حدب و صوب ، يتهافتون كتهافت الطير إلي عشه و مأواه ، يستقبلون بعضهم البعض بالترحاب و الود و الحب ” حمد لله علي السلامة ” ، و الحَمْد من الحَمَد ، و هو لقب مضيفهم ” حَمَد ” ، اتخذ مكانة بين أمراء البحار فأصبح أميرًا بكرمه و حسن ضيافته .
عددهم يوم أن أسسوا لصداقتهم فاق المائتان ، أما يوم تجمعهم فعددهم يقارب الثلاثون ، إلا أن الغائب حاضر ، و مكانه في القلب محفوظ ، أسماء من حضروا تزين و تصف يومهم ، فإن قلنا يومهم جميل فقد حضر ، و إن وصفنا الطقس بالنسيم العليل فقد حضر ، يومهم عامر و كريم ، يومهم نصر و محب ، يومهم قنديل يضئ و يتوهج ، يومهم أحمد و كامل و كله عوض ، جميعهم بدوي جاسر عاصم ، يومهم نجاح ، كلهم إيهاب أي فائق الكرم ، و جميعهم يكونون عماد عالي متين ، يأمهم حاتم قوي ،كذلك كان من الطبيعي أن يجمعهم يوم ياسر سهل لا يخلو من الجهاد في سبيل نيل السعادة و راحة البال .
سَعِد بهم البحر أيما سعادة ، احتضنهم و احتواهم بأمواجه اللطيفة الخفيفة ، يداعبهم و ينفعل بانفعالهم فيثور و يهيج و تعلو ريحه و أمواجه كلما تطرق حديثهم إلي ما يثير الشهوات ، حتي أنه ساعة أن قرروا مغادرته ودعهم بأمواج متتالية ، كأنه يقول لهم إلي العام القادم يا أحباب .
إلي هنا و نتركهم يتناولون وجبتهم ، فهم جوعي الآن ، يهيمون بين الأسماك و المشاوي و الفراخ ، و حلوياتهم و مشروباتهم ، و نقول أنه إذا كان العمر لحظة فهؤلاء جعلوا من لحظاتهم عمرًا ، عمرًا امتد عبر عشرات السنين ، سنوا سنة يحتذي بها ، من ثم صاروا قدوة لمن سبقهم و من تلاهم ، رفعوا اسم مدرستهم عاليًا خفاقًا ، يتباهون بها و تتباهي بهم ، عاشت كلية سان مارك ، عاشت دفعة ١٩٨٧ ، دمتم بخير و أشوفك علي خير يا أخي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق