تشهد أمتنا الإسلامية في الوقت الراهن تحديات جسيمة ، و أقول الإسلامية لا العربية ، فلقد آن أن نصحح المصطلحات ، و نعيد صياغة قضايانا ، و نعيد الكلم إلي مواضعه ، بعد أن حرف عن مواضعه بفعل فاعل ، و الفاعل معلوم علم اليقين ، فمن اعتاد التحريف هم اليهود ، و لقد نجحوا في إغوائنا و إلهائنا ، من ثم تقطيعنا ثم تفتيتنا حتي نصير هباءا منثورًا .
إلا أن الله سبحانه و تعالي غالب علي أمره ، و كلمته سبحانه و تعالي هي العليا و لا يعلو عليه إنس أو جن ، في الأرض أو في السماوات ، فالملك لله الواحد القهار .
أما بعد .. تعتبر وحدة الأمة الإسلامية من القضايا الحيوية في العالم المعاصر ، حيث تمثل أساسًا لتحقيق التطور و الإزدهار ، و مواجهة التحديات التي تواجه المسلمين جميعًا في شتي أنحاء الأرض ، تتطلب الأمة الإسلامية وحدة قوية و تعاونًا متينًا بين دولها و شعوبها لتحقيق التنمية المستدامة و مواجهة الأخطار التي تحدق بها ، و رفعة الإسلام في العالم . فلا شك في أن وحدة الأمة الإسلامية تعد أمرًا أساسيًا لتحقيق النمو و التطور و الإزدهار الحقيقي للمسلمين .
تعتبر هذه الوحدة المنشودة وسيلة لتجاوز التحديات التي باتت معلنة و واضحة وضوح الشمس ، و هي السبيل لتحقيق المشاركة للمسلمين في مختلف المجالات ، فعندما يتحد المسلمون ، يتمكنون من مواجهة أعدائهم و ارهاب أعدائهم ، و مواجهة التحديات الاقتصادية المفروضة عليهم ، و غيرها ..
و لا شك أنها تعزز المبادئ و القيم الإسلامية الأساسية مثل التسامح ، و العدل و الرحمة التي يفتقدها العدو الغاشم ، فيصبح للأمة الإسلامية صوتًا قويًا و مؤثرًا فيما يتعلق بقضايا العدل و السلام العالمية ، و خاصة قضية القدس الشريف و القضية الفلسطينية عامة .
أعلم أن الطريق إلي الوحدة ليس ممهدًا و لا مفروشًا بالورود ، إذ تتربص به تحديات عدة ، فمن أهم التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في عالمنا المعاصر التنوع الثقافي و اللغوي ، فعلي الرغم من كونه ميزة ، إلا أنه يعتبر تحديًا أمام تحقيق الوحدة ، فاللغات المختلفة و الثقافات المتنوعة قد تؤدي إلي صعوبة في التواصل و فهم بعضنا البعض ، مما يعيق تعزيز الروابط و بناء الثقة .
كما أن النزاعات السياسية و الاقتصادية التي تعصف ببعض الدول الإسلامية تعتبر عقبة أمام تحقيق الوحدة ، فالصراعات و التوترات تزيد من انقسامات الأمة الإسلامية ، و تقوض جهود بناء الثقة و التعاون بين الدول .
و لا شك أن العدو و القوي الإستعمارية قديمًا قد عملت علي زرع بذور الفتنة و الصراعات بين الدول بعضها البعض ، و بين أبناء الدولة الواحدة بعضهم البعض ، فلا تخلو دولة مسلمة من صراع ما أو فتنة ما ، أدت بدورها إلي انقسامات داخلية كان لها أثرٍ سلبي علي الأمة الإسلامية .
فالإنقسامات العرقية و المذهبية تعتبر تحديًا كبيرًا أمام وحدة الأمة الإسلامية ، إذ أن تفاقم هذه الإنقسامات يؤدي إلي فقدان الثقة و تفرق المسلمون ، مما يعيق تحقيق الأهداف المشتركة ، و قد يأجج نيران الحروب البينية .
كما أن التجاذبات السياسية و الفكرية تعتبر أيضًا عاملًا مؤثرًا في تفكك الأمة الإسلامية ، فنري بوضوح هذه الأيام عدم التوافق في الرؤي السياسية و الفكرية ، مما يزيد من الانقسامات و يعيق التواصل و التعاون بين المسلمين .
و للتعاون و التواصل بين الدول الإسلامية و تعزيز وحدتها أهمية قصوى ، تكمن في تعزيز الروابط الاقتصادية و التجارية بين الدول الإسلامية ، خاصة و قد حباها الله سبحانه و تعالي بتنوع كبير في الثروات الطبيعية من معادن و محاصيل زراعية ، و مواقع جغرافية و تنوع مناخي ، يجعل من الأمة الإسلامية أغني و أثري شعوب الأرض ، الأمر الذي يعزز من قدرتها علي مواجهة التحديات الاقتصادية و تحقيق التنمية المستدامة .
أما علي الصعيد الفكري الثقافي الديني ، فإن للعلماء و المفكرين دورًا هامًا في تعزيز وحدة الأمة ، إذ يعتبر العلماء المثقفين المتدينين حجمًا رئيسيًا في المجتمعات الإسلامية ، حيث يحظون بثقة الناس و يتمتعون بتأثير كبير في المجتمع ، من صدق منهم و اتقي .
فتعتبر التوجيهات و الفتاوي الصادرة عن العلماء و المفكرين من أهم الأدوات التي تعزز وحدة الأمة ، فعندما يتحدث العلماء بصوت واحد و يصدرون رؤيا واحدة موحدة ، يكون لها تأثير كبير في توجيه المسلمين ، و تثقيفهم في القضايا الهامة التي تؤثر علي الأمة ، إذ يمكنهم توضيح القيم الإسلامية الأساسية التي يجب أن تتحلي بها الأمة ، و توعية الناس حول أهمية المحافظة علي وحدة الأمة ، و تفادي الانقسامات .
بالإضافة إلي ذلك ، يلعب العلماء دورًا هامًا في تعزيز وحدة الأمة من خلال توفير التعليم الذي هو حجر الزاوية في القضية ، من ثم التثقيف الصحيح للناس ، فهم يعملون علي نشر المعرفة الإسلامية ، و تصحيح الأفكار الخاطئة و التضليل الذي يحدث في بعض الأحيان .
و بفضل جهودهم يمكن للمسلمين أن يكونوا علي دراية بتعاليم الاسلام و قيمه و أخلاقه ، ما يعزز الوحدة بينهم و يقوي انتمائهم للأمة الإسلامية بشكل عام .
علاوة علي ذلك ، يمكن للعلماء أن يكونوا وصلة بين المجتمعات الإسلامية المختلفة ، فهم يمتلكون القدرة علي تحقيق التواصل و التفاهم بين الأمم المختلفة و الثقافات المتنوعة ، فهم يستطيعون تذليل العقبات الثقافية و اللغوية و الاجتماعية ، و تعزيز التعاون و التضامن بين المسلمين .
و لا يمكن اغفال دور العلماء في تشجيع الأبحاث و الإبتكارات في مجال العلوم و التكنولوجيا ، فهم يعملون علي دعم التقدم العلمي و التكنولوجي في الأمة الإسلامية ، مما يعزز قدرتها علي المنافسة في العالم المعاصر .
و من خلال الابتكار و البحث يمكن للأمة الإسلامية أن تكون علي قدم و ساق مع التطورات العالمية و تعزيز وحدتها و تأثيرها في المجتمع الدولي .
بإختصار ، يتمثل الدور الإيجابي للعلماء و المفكرين في تعزيز وحدة الأمة الإسلامية في توجيه الناس و تثقيفهم ، و توفير التعليم و التثقيف الصحيح ، و تحقيق التواصل بين المجتمعات المختلفة ، و تشجيع البحث و الابتكار .
من خلال جهودهم ، يمكن للأمة الإسلامية أن تتقدم و تزدهر في العالم المعاصر .
و في النهاية ، قد تبين لنا أن وحدة الأمة الإسلامية هي عامل أساسي لتحقيق التقدم و التطور و النصر في العالم المعاصر ، لذا يجب علينا أن ننبذ خلافتنا و أن نعمل بروح التعاون و التضامن و بإحساس كبير بالمسئولية لتجاوز التحديات التي تواجهنا و تعزيز وحدتنا ، يجب علي الدول الإسلامية و علمائها و مفكريها أن يتبنوا استراتيجيات فاعلة لتعزيز التواصل و التعاون بينهم .
” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ” آيه ١٠٣ سورة آل عمران .