إنك لا تعبر النهر الواحد في اليوم مرتين .. هكذا قال هيراقليطس معبراً عن الحركة الدائمة و التغيير المستمر ، فهذه سنة الله سبحانه و تعالي في خلقه ، فالكون كله في حالة حركة مستمرة منذ أن خلقه الله بما في ذلك نحن البشر .
فالإنسان في حالة حركة منذ ولادته و حتي وفاته ، حتي و إن جلست ساكناً فأنت في حركة .
الإنسان الساكن الجامد هو بلا شك ضد قانون الطبيعة التي فطرت عليه ، إذاً فإن التغير و التغيير أمر بديهي لا غني عنه ما دامت الحياة ، و هنا أشار المفكر الجزائري مالك بن نبي إلي ذلك بقوله : غير نفسك تغير التاريخ .. في إشارة واضحة لقوله تعالي ” إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ” .
كيف لي أن أرجو تغييرًا في حياتي و واقعي دون أن أحدث تغييرًا في نفسي و سلوكي و عاداتي ، بمعني أن أبدأ بنفسي بتحديد عيوبي و مميزاتي و أن أحدد هدفي من ذلك التغيير المنشود ، و تحديد العيوب التي هي الأهم بلا شك من شأنه الوقوف علي كيفية التغيير حيث أن تلك العيوب هي المقصد و التفسير الوحيد لمعني ” حتي يغيروا ما بأنفسهم ” .
فإصلاح ما بأنفسنا لا يأتي إلا بالعدول عن كل ما هو سئ و مكروه و حرام شرعًا ، لا يأتي إلا بتعديل السلوك الشخصي في الحياة عامة ، ذلك من شأنه السمو بالفرد من الحضيض إلي القمة ، قمة الأخلاق ، قمة السلوك المتحضر الذي ينم عن إنسان متحضر واعي يعرف طريق الله في حياته . هذا الإصلاح الديني ينبع من إصلاح النفس أولًا ثم يأتي الإصلاح العلمي الرشيد و الذي بمقتضاه يأتي التغيير السليم المبني علي أسس نفسية و دينية و علمية سليمة .
إذًا فالسعي من أجل تغيير شئ ما أو وضع ما في حياة أي فرد منا يبدأ بتغيير ما بالنفس ، و لكي يكون للتغيير أثر إيجابي في نفسك يجب أن يكون نابع من داخلك أنت لا أن تكون مجبر عليه ، بمعني أن يكون زمام الأمور بيد الفرد منا لا بيد شخص آخر أتبعه في التغيير ظنًا مني أنه علي صواب و أن ذلك في مصلحتي فقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، عندها سوف أعي أنني كنت واهم في هذا التغيير .
و لعل البدء بالإصلاح النفسي الديني لهو الهدف الأساسي و الاستراتيجي لإصلاح الأمم هذا ما جاءت به الرسالات السماوية في كتب الله سبحانه و تعالي و في سنة رسوله الكريم محمد عليه الصلاة و السلام ، يخطئ من يظن أنه بإصلاح نفسه فقط يستطيع أن يصلح و يغير وضع و واقع أمته ، فنحن نصلح ما بأنفسنا و نصلح ذات بيننا و أهل خير مثال علي ذلك قوله عليه الصلاة و السلام : ” لن تدخلوا الجنة حتي تؤمنوا و لن تؤمنوا حتي تحابوا ، أو لا أدلكم علي شئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ” ، هكذا علمنا رسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام حيث حدد الهدف و رسم طريق الوصول إليه ، و إن كان الهدف أخروي في علم الغيب و هو هدف عظيم إلا أن آلية الوصول إليه دنيوية واقعية ملموسة في حياتنا اليومية و هي إفشاء السلام و التحابب في الله و لله .
و السلام هو اسم من أسماء الله الحسني و هو يعد بمثابة سلوك نعتاده و نمارسه بحسن الخلق و حسن الظن فيما بيننا ، فالابتسامة سلوك و ممارسة بين الناس بل و داخل المنزل و إلا ما كانت صدقة و نحن نعلم عظم الصدقة في ميزان أعمالنا و هي إحدي السبل للوصول إلي الهدف الأعظم ألا و هو الجنة .
و التغيير لا يأتي بالتمني فمثلا إذا أردت أن أكون رجل أعمال صاحب مشاريع ضخمة كيف لي أن أصنع ذلك .. هل بمجرد التمني أم بالعمل و التخطيط ؟ قطعا بالعمل و التخطيط السليم و الوقوف علي قدراتي و إمكانياتي الفعلية ، و السعي الدؤوب و الإطلاع علي كل ما ييسر لي الوصول إلي هدفي ، علي أن لا أمل أو أفقد الأمل طالما أنا في معية الله و في رجائه و في طلب العون منه سبحانه و تعالي و ثقتي بأنه لن يضيع أملي و ثقتي و ظني به سبحانه و تعالي .
لا ينبغي عليٓ أن أستعجل نتائج عملي ، فالوصول إلي الهدف بكل تأكيد لا يأتي بخطوة واحدة بل بخطوات قد تكثر و قد تقل ، قد تطول المسافة بين كل خطوة و الأخري و قد تقصر ، هنا ينبغي الإتقان في كل خطوة و التأكد قبل الإقبال علي الخطوة الثانية من أن الخطوة السابقة لها قد حققت المرجو منها ، بمعني الصبر علي العمل كبر أو صغر ، فلا ينبغي إستعجال النتائج منا أنه يجب التدرج في تحقيق الهدف الأكبر ، و قد تجد من نجح في الوصول لهدفه الأكبر إلا أن قانون الحياة هو الحركة فتجده يبحث عن هدف آخر ، فهناك من يمتلك مصنع و آخر مصنعان و ثالث مجموعة شركات و مصانع .
و قد تجد من هو مواظب علي الصلاة في المسجد و آخر يحافظ علي صلواته لكنه يصلي بالبيت و آخر متقطع في الصلاة ، إذًا هي درجات و صبر و رجاء و عمل ، إلا أنه لا ينبغي أن يغيب عن ذهننا قدرة الله سبحانه و تعالي ، فقد تكون المكافأة من الله غير متوقعة و يكون العطاء الجزيل الذي يبهرك من حيث لا تحتسب أليس هو الله القادر الذي بيده كل شئ و هو علي كل شئ قدير ، فمتي كان إيمانك و عملك و قلبك صادق و سليم كانت الهبة من الله و العطاء أعظم .
علينا بأنفسنا أولاً بصدق و إخلاص و قلب سليم و إتباع هدي رسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام بإفشاء السلام و التحابب و العمل الصالح لوجه الله لا لشئ آخر مهما عظم فإن العظمة لله وحده الذي لن يأتي التغيير إلا من عنده و بإذنه فهو القائل ” كن فيكون ” .