يقولون ان لغة الأرقام لا تكذب ..
ولكن فى بلادنا كل شئ قد يكذب حتى الأرقام !!
فقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فى الأسابيع الماضية عن صدور نسخة جديدة من بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك،
في مؤتمر خاص حضره كل من رئيس الوزراء ووزيرة التخطيط، ليعلن عن انخفاض معدل الفقر فى مصر لأول مرة منذ 20 عام .
– ولان البحث يصدر مرة كل عامين تقريبا، ويتضمن مؤشرات عن معيشة المصريين ومعدلات الفقر – فقد اعتبرت مؤشراته إيجابية بحسب ما أعلنت الحكومة المصرية ووسائل الإعلام المحلية.
وأعلن ممثلي الحكومة انهم قد حققوا انجازا كبيرا بخفض معدل الفقر لأول مرة خلال ال20 سنة الاخيرة.
فقالت الأرقام المعلنة
* ان معدل الفقر قد انخفض إلى 29.7% مقارنة بـ 32.5% بحسب ارقام البحث السابق، الصادر عن عامي 2017/2018
* ان متوسط الدخل السنوي الصافي للأسرة قد ارتفع على مستوى الجمهورية من 60.4 ألف جنيه سنوياً إلى 69.1 ألف جنيه بنسبة زيادة حوالي 15%
* تراجع نسب الفقر المدقع من 6.2% في البحث السابق إلى 4.5%
*وان نسبة الفقر قد انخفضت في جميع المحافظات وكان الانخفاض الأكبر في ريف الوجه البحري بنسبة تصل 4.73% ويليه ريف الوجه القبلي ب3.79%.
الى هذا الحد تبدو الأرقام مبشرة ولكنها قد لاقت موجه كبيرة من السخرية فى وسائل التواصل الاجتماعى، وطرحت هذا السؤال .. هل هذه الأرقام تعبر فعليا عن الوضع الحالي فى مصر ، خاصة مع الأزمات الاقتصادية العالمية وحالات الإغلاق وأثار وباء الكورونا على الشارع؟!!
بنظرة عامة وسريعة على مؤشرات الاقتصاد المصرى نجد أن الدَّين الخارجي المصري قد قفز بمعدل يفوق 17٪ خلال عامى 2018-2019،
وهو ما يعتبر من أعلى معدلات الزيادة في العالم.وان معظم مؤشرات استدامة الدَّين قد تدهورت، مقابل نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي وإلى الصادرات وإلى الاحتياطيات الدولية. مع ازدياد عبء السداد السنوي إلى أضعاف ما يُنفق على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.
إلا ان الحكومة قد اعتمدت على إخفاء الوضع الحقيقي للدَّين الخارجي عن طريق الاقتراض عبر مؤسسات لا تظهر في حسابات الموازنة منها البنك المركزي والهيئات الاقتصادية والبنوك التجارية، إضافة إلى الدَّين المحلي المملوك للأجانب او ما يسمى (الأموال الساخنة).
حيث اعتمد الاقتصاد المصري لتوفير العملات الاجنبية والدولار بشكل أساسي خلال الأعوام الأربعة الماضية على الاستدانة وزيادة القروض الخارجية. برغم كونها تضر بالاقتصاد القومى سوا كانت قصيرة اومتوسطة الأجل لانها مرتفعة الفائدة.
وبلغة الأرقام ايضا نجد ان رصيد الدَّين الخارجي قد وصل الى ما يقرب من 109 مليار دولار فى (يونيو 2019).
وان الدَّين الخارجي في مصر قد ارتفع بمعدل 17٪ خلال عام 2018 فقط، مما جعلها أسرع دول المنطقة نموًّا من حيث الدَّين الخارجي، بحسب بيانات البنك الدولي. وقد استمر الارتفاع فى عام 2019 مع زيادة طفيفة ليبلغ 17.4٪، أي لأكثر من ثلاثة أضعاف النمو للناتج المحلي.
وبحسب تقرير منشور للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية فإن كل طفل ُولد في عام 2019، مدين للخارج بـ 1000 دولار.
وان الدَّين الخارجي المصرى اصبح 4 أمثال الصادرات المصرية.
وانه ايضا يساوى 2.5 ضعف الاحتياطيات من العملات الأجنبية.
كما أن كل الجهات الحكومية قد اقترضت من الخارج بلا استثناء،وأن الحكومة المركزية كانت صاحبة أكبر زيادة في الدَّين الخارجي، بحوالي 10٪ من إجمالي القروض الخارجية.
وتجنبا للإطالة والغرق فى تحليل مئات الأرقام
يكفى أن نشير الى تدهور تركيبة الديون الخارجية-بحسب التقرير – حيث اصبحت أكثر صعوبة في السداد، مقارنة بالوضع منذ عشر سنوات. وان ربع الدَّين الخارجي المصري يستحق السداد خلال عام. مما يرتب استمرار مصر في الاقتراض من جديد من أجل سداد الديون المستحقة، وليس بغرض الاستثمار اوالتنمية.
فنجد مثلا ان مصر قد افترضت من الخارج حوالى 18.4 مليار دولار في الفترة من مارس 2018 إلى مارس 2019، وقامت بسداد ما يقرب من 27 مليار عن نفس الفترة، لتحقق اقتراضًا سلبيًّا مقداره 8.6 مليار دولار.
ورغم أن هذه ارقام وتلك ارقام الا ان ارقام الجهاز المركزي التى اعلنت انخفاض نسبة الفقر قد اقتصرت على الفترة من أول أكتوبر 2019 وحتى نهاية مارس 2020،
ولم تغطي فترة انتشار كورونا،
كما أن 73.5 % من المصريين قد عانوا من انخفاض الدخل- بحسب تقارير صحفية حول تداعيات أزمة كورونا وبيانات لمعهد التخطيط القومى- فى حين أن الأسر اللي حصلت على منحة العمالة غير المنتظمة من الدولة لم تتجاوز 5,4%.
وقد أكد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء نفسه هذه المعلومات فى بيانات صحفية منشورة خلال شهر يونيو واكتوبر الماضى حول أثر انتشار كورونا على الأوضاع الاقتصادية للأسر المصرية، الا ان ذلك لم يمنع القنوات التليفزيونية وكثير من الصحف بلا استثناء من تخصيص صفحات كاملة وساعات عرض مطولة حول هذا الإنجاز العظيم وكأنها تقدم وجبة شهية من الموز لمجموعة من القرود عليهم ان يتناولوها بشغف وان يصفقوا انتظاراً للمزيد.
زر الذهاب إلى الأعلى
