١/٨ لب و سوداني
من منا لا يعشق التسالي ؟! ، أثناء مشاهدة الفيلم العربي ( المصري ) ، أو الفيلم الأجنبي ( الأمريكي ) لا مانع من تناول بعض التسالي بل يا حبذا ، أو أثناء مشاهدة مباراة كرة قدم حماسية حاسمة بين فريقك المفضل و فريق آخر منافس له ، أو أثناء مشاهدة مسرحية كوميدية يوم أن كان هناك مسرحيات كالتي حُفرت في أذهاننا كمسرحيات الأستاذ فؤاد المهندس رحمه الله ، أو العبقرية سهير البابلي ، يوم أن كان للتسالي وجود واجب و مفروض أثناء تلك المشاهدات الممتعة .
يندرج تحت مسمي التسالي عدة أنواع و أصناف أهمها اللب و السوداني بشكل عام ، ثم يتفرع كل منها لعدة أصناف مثل اللب الأبيض بملح أو بدون ، و الأسمر السوبر ، و السوري بملح أو بدون ، كذلك السوداني بملح أو بدون ، بقشره أو بدون ، عادي و أسواني و هذا الأخير السوادني الأسواني ذو المذاق الخاص المميز في طعمه و طريقة تحضيره و تحميصه له عشاقه و مريديه و أنا منهم .
كنت أشاهد مباراة كرة قدم واضعًا أمامي طبق التسالي الذي يحتوي علي بعض من ما سبق ذكره خاصة السوري بدون ملح و السوداني الأسواني ، و بينما أنا كذلك فإذا بالتي هي تقتحم دون استئذان و دون سابق موعد و أينما كنت حتي إذا كنت في فراشك تستعد للنوم ، إنها الفكرة تلك التي تطرأ و تلمع في ذهنك فتصرفك عن ما أنت عليه لتستحوذ علي عقلك و كيانك الفكري فتأسرك و تستخلصك لنفسها ، أما فكرتي فكانت فيما بين يديّ ” السوري – السوداني ” .
و كأن أرض مصر رصعت بأجود أنواع الأحجار الكريمة ، فهذا الشامي و هذا السوداني ، و ذاك العراقي و اليمني ، و هؤلاء الرومي و القوقازي و التركي و الانجليزي و الفرنسي ، و من قبلهم الفارسي و المغولي ، و الهندي مؤخراً ثبت وجوده علي أرض مصر ، تري و كأن شعوب الأرض اجتمعت علي أرض مصر منذ قديم الأزل ، سواء الفارين منهم من أوطانهم الأصلية لسبب ما أو الغازين الذين أتوا بقصد الإحتلال ثم غادروها .
استقر من استقر فيها و انغمس في ترابها و سقي بماء النيل حتي صار جزرًا لشجرة عائلة نمت و ترعرعت و أثمرت في ربوع مصر .
الملجأ و الملاذ الآمن بلا شك هي خزائن الأرض ، فليس بالغريب أن نري هذه الأيام توافد جديد عبر موجات جديدة من الفارين من أوطانهم باحثين عن الملجأ و الملاذ الآمن ، خاصة و إذا كان هذا الفار هو أحد مكونات النسيج المصري ألا و هو السوداني .
الشامي و السوداني مكونان أساسيان في النسيج المصري ، فعلي سبيل المثال يحضرني ذكريات طفولتي عن جيران لنا في بيت العائلة و الذي مازلت أقطن به تمثل هذين المكونين ( الشامي و السوداني ) ، ففي الدور الأول كان يسكن ” عم باسيلي ” و عائلته و هو من أصول شامية ، و كان له أقرباء يسكنون في أحد المنازل بنفس الشارع الذي نقيم فيه علي بعد عدة أمتار من منزلنا ، و في الشقة المقابلة لشقتنا يسكن ” عم محجوب ” و عائلته و هو من أصول سودانية و له أقرباء أيضًا يسكنون غير بعيد عن منزلنا ، و كان له أقرباء يأتون لزيارته و العائلة من السودان خصيصًا .
ولد الإثنان بمصر و عاشا و تزوجا من امرأتين مصريتين ذواتا أصول صعيدية و ريفية ، و أنجبا و ماتا و دفنا بأرض مصر ، السؤال هل يعتبرا غير مصريين ؟! ، بالطبع لا فهما مصريان قلبًا و قالبا ، و للعلم كانا آيه في الأخلاق و الطيبة و حسن الجوار .
قِس علي ذلك الكثير و العديد من من هم علي شاكلة ” باسيلي و محجوب ” ، بل و أزيدك من الشعر بيتا كان هناك محل حلويات و سجائر يملكه ” عم روبير ” أرمني الأصل ، كان روبير يسكن بنفس الشارع و محله علي بعد أمتار من منزله و منزلنا ، بناته لايزالن يقيمن بالمنزل ، أما المحل فهو مغلق منذ وفاته قبل أكثر من ثلاثين عاما ، و كان لروبير أقرباء يقيمون في الإسكندرية أيضًا .
الخلاصة أن مصر هي أرض الأمن و الأمان و الملجأ لشعوب العالم منذ آلاف السنين و إلي أن يشاء الله سبحانه و تعالي ، و هذا ليس كلام انشاء بل هو ما أُرّخ له حتي شاهدناه علي أرض الواقع ، فكان شعب مصر مضياف كريم ودود ، خصال طبع عليها حتي يستوعب الوافدين و يصهرهم و يدمجهم في نسيجه اللين الطيع ، و علي هذا فمرحباً بكل وافد مادام في نيته خير و إلا فلا مرحباً به ، و سوف يُلفظ من الجسم المصري ، فالأرض المصرية لا تقبل إلا كل حجر كريم نفيس .
و لنعد الآن لمتابعة مباراة أخري مع اللب و السوداني حتي يحين موعد حديثنا عن المكسرات ..