مقال

ڤيڤو .. اللقاء الأخير

عاصم صبحي

هو محمد نور بهيج بركات الشهير ب Vivo ، و ڤيڤو في القاموس تعني أحياء ، حي ، حياتي ، عائش ، غير ميت ، يقظ ..

حسابه الشخصي علي تطبيق الفيسبوك بإسم Vivo Neverend , فهو الاسم و المعني ، و لكن من هو ڤيڤو ، و لماذا أكتب عنه ؟!! ..

قبل أن أخوض في حديثي عنه دعني أدردش معك قليلا ، فأنا أتعشم فيك الصديق ، و للصداقة أصول و آداب و معانٍ سامية .فقيل عن الصداقة الحقيقية أنها تلك التي لا تموت و تبقي صامدة علي مر الأيام و العصور ، و الصداقة الحقيقيّة لا تعني البقاء مع صديقك لأطول فترة من الزمن، لكنها تعني البقاء على العهد والوعد إلى الأبد ، و يقال أن الأصدقاء هم النقد الذهبي في بورصة الحياة ،الصداقة تبقي حتي و إن بعدت المسافات طالت أو قصرت ، عندما يفترق الأصدقاء يبتسمون لأنهم علي علم بأنهم سوف يلتقون و يعودون قريبا .

يقول الله جل جلاله في محكم آياته في سورة الزخرف آية 67 ” الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ” ، و الخليل هو الصديق الخالص ، الصفي خالص المحبة .

ڤيڤو ليس صديق ، بل أكثر من ذلك ببعيد ، فالصداقة في علاقتنا تعد مصطلح غير شامل ، مصطلح ضعيف التعبير ، فعلاقتي به امتدت من المهد حتي بلغ هو اللحد .

ولد علي يد أمي في الاسكندرية ، إذ كانت عائلته جيراننا ، تسكن بالطابق الأول و نحن بالثاني ، فكان الابن البكري لأمي ، فلم تكن أمي قد رزقت بمولود بعد ، حتي أنها ظلت تلقبه بالبكري طيلت حياتها .

ولدت أنا بعده بعام و نصف العام ، نشأنا أنا و هو و أخيه الأكبر منه بعام وائل رحمه الله ، نشأنا و كبرنا سويا ، لم نكن نفترق إلا للنوم ، و أحيانًا ينام ثلاثتنا في غرفة واحدة ، سواء شقتنا أو شقتهم ، الأهل أصدقاء متقاربين ، إلي حد العائلة ، فالعلاقات متداخلة ، و الأقارب هنا و هناك يعرفون بعضهم ، فأصبحنا عائلة كبيرة .

استمر هذا الوضع حتي بعد أن تركوا منزلهم في الاسكندرية و سكنوا شقة عائلة والده بشبرا في القاهرة ، و أصبحت شقة الاسكندرية للمصيف ، فكانت أحلي و أسعد الأوقات ، جمع الشمل مرة أخري ، و ننطلق إلي الشواطئ مضيفين ذكريات إلي ذكرياتنا .

تمر الأعوام تلو الأعوام ، نكبر و ننتقل من مرحلة لأخري ، و نحن علي وضعنا ، علي علاقتنا ، علي محبتنا ، أضف إلي ذلك شخص آخر ، علي نفس القدر و القرب ، محمد عبد الرحمن ، جار آخر ، يفصل بيننا بضعة أمتار ، فرع آخر من العائلة الكبيرة ، لم نكن جيران بل كنا عائلة كبيرة ، و أسماء أخري لا يتسع المقام لذكرها ، لكن هذا الرباعي ، أنا و ڤيڤو و وائل و محمد ، لنا من الذكريات ما يُِجَلد .

أُخوة أصدقاء ، و أصدقاء أخوة ، أيام و سنين ، عمر بأكمله ، مات وائل و من ورائه ڤيڤو ، لكن لم تمت ذكراهم ، لم تمت معزتهم في قلوب إخوتهم .

كان لي لقاءان هذا العام مع ڤيڤو ، الأول في شهر يناير عندما زرت معرض القاهرة للكتاب ، مكثت معه ثلاثة ليال ، و الثاني في مايو و مكثت معه ثلاثة ليال أخري ، في ضيافته ، فقد كان ملاذي الوحيد في القاهرة ، ما من زيارة للقاهرة إلا و كنت ضيفا عليه ، نصول و نحول في شتي أنحاء القاهرة .

حتي كان اللقاء الثالث و الأخير هذا العام عندما زرته الشهر الماضي ، فقد تمكن منه المرض فكان حتما عليّ أنا و رابعنا محمد زيارته ، فقد تكون زيارة الوداع ، و قد كانت ، إذ توفي ڤيڤو بعدها بإثني عشر يوما .

إلي جنة الخلد يا رفيق العمر بإذن الله تعالي ، فربنا رب قلوب و أشهد الله أنك كنت طيب القلب نقيه ، رحمة الله عليك و علي أخيك و الرفيق الثاني وائل ، رحمكما الله و أسكنكما فسيح جناته آمين يا رب العالمين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق