أتابع و أقرأ كتابات العديد من الشخصيات علي صفحات الفيسبوك ، تتباين و تختلف توجهاتهم السياسية بين مؤيد و معارض لنظام الحكم المصري و سياساته ، كلٌ له أسباب توجهه و يدافع عنها و يستميت في دفاعه و لا يري صواب سوي رأيه و رأي من هم عل شاكلته من أنصار رأيه ، كما أتابع أحيانًا بعض التعليقات علي منشورات المؤيدين أو المعارضين ، فأجد بعض المعارك الكلامية بين التيارين تصل إلي حد السباب و الألفاظ النابية الخادشة للحياء ، لا أنساق إلي أي منها بل أكتفي بالإطلاع و حسب .
وجهات النظر المتباينة تلك لكل منها ما يعززها في الواقع و ما يدحضها ، و قد تري بعض المبالغة من هنا أو هناك ، إلا أن التيار المعارض لسياسات الحكومة و النظام قد زاد عدده بشكل ملحوظ و مطرد ، و تعددت أسبابه و قويت شوكته و أصبح ذو حجة بينة ، و في المقابل نري أصحاب الرأي المؤيد للنظام و لسياساته قد انحسر عددهم و ضعفت و تهاوت حجتهم و بليت تفسيراتهم ، بل و اتسمت بالسذاجة في التبرير و التحليل .
ذهب الكثير من أصحاب الرأي المعارض في كتاباتهم في الآونة الأخيرة إلي الحديث عن انتخابات الرئاسة القادمة ٢٠٢٤ ، تعددت التحليلات الأولية ، فذهب البعض إلي القول بضعف فرصة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في الفوز مجددًا نظرًا لإنخفاض مستوي شعبيته ، و ذهب البعض إلي القول بأن فرصته في الفوز بالفترة الثالثة تكاد تكون معدومة ، و هناك من يري أن مقعد الرئاسة محسوم له بلا شك ، و تعددت التحليلات و التبريرات ، و تنعقد الآمال في التغيير الحتمي نظرًا لإستحالة استمرار الحال الكارثي الذي تعيشه مصر حاليًا علي كافة الأصعدة ، سياسيًا و اقتصاديًا و اجتماعيًا و ثقافيًا في مشهد تاريخي سوف تعاني منه أجيال قادمة ، و سوف تبكي لأجله أجيال متعافية عندما تقرأ عنه في كتب التاريخ ، و آمال التغيير هذه و إن بدأ الحديث عنها بحماسة شديدة علي كل الألسنة و الصفحات إلا أنني لم أر أي مرشح مزمع و لم أسمع عن اسم شخصية بعينه ، اللهم إلا أحد النواب السابقين الذي يقيم بالخارج وعد بعودته و حدد موعد عودته تلك ، فذهب البعض إلي أنه المخلص ، و ذهب البعض الآخر إلي أنها قد تكون مناورة من النظام الحالي أو فخ أو ما شابه ، و ذلك في استعجال غريب لقراءة المشهد حيث أن الرجل المزمع عودته قد حدد شهر مايو القادم لتلك العودة ، كما أنه قد ظهرت مؤخرًا بعض الأخبار عن بعض اجتماعات لبعض الأحزاب لتسمية اسم مرشح يتوافقوا عليه جميعًا ، كما ألمحت شخصية حزبية إلي أن هناك اسم يعد مفاجأة و أنه قد يكون عسكريًا و ليس مدنيًا ، في حين أن الكل يتطلع إلي اسم مدني لا عسكري .
و في ظل النشاط السياسي الحزبي و النيابي الصوري في مصر لا يمكن سطوع نجم أي اسم مدني ذو ثقل مهني مؤثر في الحياة السياسية المصرية ، بل إن معظم من يطرح نفسه الآن كمرشح رئاسي إنما هو طامح بلا قواعد تعضد بنيانه الذي يرمي إليه ، و قد نري محاولات لإعادة تدوير أسماء قد عفا عليها الزمن تطرح أفكار و حلول قد عفا عليها الدهر ، و جلهم أسماء تنتظر أو تستجدي السند و النصرة من خارج حدود البلاد ، في حين أن النجاح و التمكين لن يأتي إلا بأصوات و بتأييد أبناء البلد الأحرار المتطلعون ليس لحياة كريمة و حسب بل لمصر كريمة عزيزة شامخة ، لمصر قائدة لا تابعة ، لمصر تبني و تصنع تاريخ جديد بأيدي و سواعد أبنائها المتعلمين المثقفين .
و كما أن الحياة السياسية عاجزة عن تقديم قائد شاب نابغ ، تعجز أيضًا السلطة الرابعة التي هي صوت الشعب بكل عراقتها و تاريخها الممتد الذي أسسه فطاحل العلم و الصنعة علي مدي قرنين من الزمان و أكثر ، تعجز في تقديم حلول و تعجز أن تكون صوت الشعب بحق ، اللهم إلا القليل منهم الذي أشرت إليه في بداية المقال ممن يكتبون علي صفحات الفيسبوك ، و يرون من هذه المنصة منبرًا يطرحون فيه قضايا البلاد و يحللونها ، و ينقدون و يصبون غضبهم علي السلطة لكن دون طرح حلول قابلة للتنفيذ يتبناها شخص موثوق فيه يلتفون حوله ، إذ تجد أن كل قلم منهم يرشح اسم بعينه و لا يري سواه ، بل و كل منهم ينقد الآخر ، و يستكفون بأعداد المتابعين و بعدد الاعجاب بمنشوراتهم و عدد مشاركتها ، و قد يعلقون لبعضهم البعض كنوع من التشجيع و التصييت .
و أنا إنما أكتب مقالي هذا لأحث كل كاتب و صاحب قلم شريف حر لا يخشي إلا الله أن ينفض عن مكتبه كل أوراقه القديمة بما تحمله من أفكار و أسماء قديمة قد مللنا و سئمنا منها ، و ليبدأ في البحث عن الأسماء التي تنوء بنفسها عن زخم الحياة السياسية لفسادها و فساد أجوائها ، و أنا أعلم علم اليقين أن السادة الأجلاء أصحاب القلم الحر يعرفون أسماء بعينها تعتكف في صوامعها ، و يعلمون أماكن تلك الصوامع فيسعون إليهم طلباً للنجدة و حثهم علي الخروج و الكفاح ، و الأسماء كثيرة ، فلنطرق أبوابهم علي أن يفتح واحد منهم بابه و يرضي و يرتضي النزول و خوض معركة هي حياة أو موت لمصر ليست مجرد انتخابات أو كرسي رئاسة .
و إن كنت أنادي بطرق أبواب المعتكفين ، فأنا من خلال مقالي هذا أطرق باب أعتقد أنه من أهم الأبواب ليس من وجهة نظري أنا فحسب بل من خلال وجهات نظر متابعيه الأفاضل ، رجل هو من زمن الفطاحل الذين تبني علي أكتافهم الدول ، و لعلي أشير إليه بالأستاذ دكتور ” ع م ” ، فهو أكاديمي متميز ، و أتمني علي الله أن لا يسبب له طرحي هذا أي مشاكل ، فيعلم الله وحده حسن نيتي و خالص محبتي لهذا الرجل المحترم علمًا و أخلاقًا و كفاءة عملية .
و إن كان هذا باب قد طرحته فلربما هناك أبواب عدة قد يطرحها غيري و نطرقها سوياً ، فعند هؤلاء المعتكفين نجد ضالتنا ، نجد القيمة و القامة و العلم و الرشد و الكرامة ، فكل قلم حر لا يخشي لومة لائم و لا يهدف إلا لرفعة وطنه و أهل وطنه يجب أن يسعي خلف هدفه و يلح في طلبه مهما كلفه الأمر ، و لله الأمر من قبل و من بعد .