مقال

الحبشة .. بين الماضي و الحاضر و المستقبل

بقلم عاصم صبحي

 

إثيوبيا تلك الدولة الغير ساحلية و التي تقع في القرن الأفريقي و التي يحدها من الشرق كل من چيبوتي و الصومال و الشمال أريتريا و من الشمال الغربي السودان و من الغرب جنوب السودان و الجنوب الغربي كينيا ، و المعروفة قديما بإسم الحبشة و التي تأسست جمهوريتها في مايو 1941 ، تلك الدولة لها تاريخ عميق يضرب بجذوره في أعماق الزمن السحيق لآلاف السنين حيث موطن ظهور الانسان الأول أي قبل 200000 سنة تقريبا ، حيث عثر بها علي أقدم عظام معروفة للانسان الأول .
مرت إثيوبيا عبر تاريخها السحيق بمسميات عديدة منها الحبشة و هو اسم مشتق من لفظ حبشت و الذي ورد في التوراة بمعني الأجناس المختلطة و المختلفة إشارة إلي التصاهر ما بين الساميين الوافدين من جنوب الجزيرة العربية في غرب آسيا و الحاميين الكوشيين من السكان الأصليين للبلاد ، أما اسم إثيوبيا فقد استخدمه رسميا الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني .
مر بتاريخها العديد و الكثير من الحكام و الملوك و لعل أبرزهم هو أصحبة بن أبجر “النجاشي” ، و هو الذي استقبل صحابة النبي عليه الصلاة و السلام المهاجرين إليه و إجتمعوا به في الفترة ما بين 610-629 م ، و هو الوحيد الذي صلي عليه النبي محمد عليه الصلاة و السلام صلاة الغائب لما علم بوفاته .
و هناك اسم آخر عرف في التاريخ لملك حبشي الأصل و لكنه ولي ملك علي اليمن و هو أبرهة بن الصباح الحبشي و الذي يعرف أيضا بأبرهة الأشرم ، و هو قائد عسكري من مملكة أكسوم ( اسم قديم لإثيوبيا ) .
و أبرهة هذا كما ورد في الموسوعة البريطانية هو مسيحي متدين اشتهر ببناء كنيسة ضخمة في صنعاء و زحف بجيش عظيم نحو مكة في نفس العام الذي ولد فيه محمد عليه الصلاة و السلام 53 قبل الهجرة الموافق لإبريل 571 م ، و قد فشلت حملته رغم إستعانته بالفيل ، فقد كان هدفه من تلك الحملة هو هدم الكعبة المشرفة إجلالًا لكنيسته ، و هزم و فشل بفضل من الله عز و جل حيث أرسل ربنا تبارك و تعالي عليه و علي جيشه طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل كما ورد في سورة الفيل يالقرءان الكريم ، فكان بحق “للبيت رب يحميه” كما قال عبد المطلب كبير مكة و جد النبي محمد عليه الصلاة و السلام .
هذا هو ملخص للتاريخ الحبشي فيما يخص الإسلام و معتقداته و مقدساته ، نموذجان لملكان الأول النجاشي مسيحي وثق به محمد عليه الصلاة و السلام من حيث عدله و إنصافه و نزاهته و كانت النتيجة أنه أسلم و مات مسلما و صلي عليه النبي صلاة الغائب ، و الثاني ملك حبشي أيضا لكن جبروته و كبريائه و غلظته و طغيانه صوروا له قدرته علي هدم الكعبة المشرفة فكانت الهزيمة المنكرة و رد خائبا مهزوما بفضل الله عز و جل .
أما الحاضر عزيزي القارئ فهو ما يسطره التاريخ حاليا بل و من عدة سنوات متمثلا في إقدام إثيوبيا علي بناء سد علي النهر الأزرق الذي هو منبع نهر النيل شريان حياة مصر الأزلي الخالد .
نهر النيل الذي يصب في واحدة من أقدم الحضارات في العالم مصر التي حصلت علي العديد من الألقاب منها “هبة النيل” أو “هدية النيل” كما أطلق عليها من قبل المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت ، لأن مصر القديمة تدين ببقائها لهذا النهر العظيم الذي يعتمد عليه المصريون القدماء في جميع أمور حياتهم و إلي الآن هو كذلك .
تخوض مصر الآن و علي مدي عقد من الزمان حرب دبلوماسية شرسة لوقف بناء سد النهضة الإثيوبي أو تعطيل بنائه أو العمل علي الوصول إلي حل و إتفاق ملزم لأطراف النزاع و هم مصر و السودان و إثيوبيا يضمن حقوق جميع الأطراف في حصصهم المائية التاريخية ،إلا أن التعنت الإثيوبي و غطرسة حكامها متمثلة في رئيس وزرائها آبي أحمد الذي يلقي تأييدا من عدة دول خارجية و تمويلا كبيرا لبناء هذا السد الأغبر .
و لا يخفي علينا أطماع و تدخل الأصابع الخفية لتلك الدول المساندة للحكومة الإثيوبية ، و تقف مصر وحدها متصدرة لتلك الهجمة الشرسة التي تبغي و تسعي لفناء مصر و زوالها ، فنحن نخوض حرب وجود أيها السادة .
و إلي الآن لم تصل مصر لحل لهذه الأزمة التي تهدد وجودها دبلوماسيا ، و لم تقدم علي إستخدام قوتها العسكرية المصنفة عالميا العاشرة ، و الأولي إقليميًا و أفريقيًا ، لماذا ؟! لا أدري !!
أتساءل هل سوف يقف كبير مصر و يستعير كلمة كبير مكة و يقول “للنهر رب يحميه” ؟!!
هل هذه مصادفة عزيزي القارئ فيما حدث في الماضي و ما يحدث في الحاضر ؟ ، أعني أن التهديد حبشي و المُهَدَد أأمن مكانان علي الأرض مكة و مصر و هما اللذان إختصهما رب العزة بصفة الأمن و الأمان .
إلي ما ستؤول الأوضاع ؟ ما السبيل إلي الحل ؟ هل سيهرع جنود مصر للدفاع عن شريان حياتهم ؟ ، تساؤلات لا حصر لها لا أعرف و لا أدري و لا أملك أدوات الرد عليها للأسف ، فلندع التاريخ يكتب و يسطر أهم و أحرج مراحل تاريخ مصر .
إذًا تحدثنا عن الماضي و الحاضر الذي يسطر الآن ، ماذا إذًا عن المستقبل ؟!
عن سعيد بن المُسَيَب أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلي الله عليه و سلم :”يخرب الكعبة ذو السُوَيقتين من الحبشة” رواه البخاري و مسلم .
و عن ابن عباس أخبره عن النبي صلي الله عليه و سلم قال: ” كأني أنظر إليه أسود أفحج ينقضها حجرا حجرا – يعني الكعبة -” رواه البخاري .
و عن سعيد بن سمعان قال : سمعت أبا هريرة يخبر أبا قتادة أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قال: ” يبايع رجل بين الركن و المقام ، و لن يستحل البيت إلا أهله فإذا استحلوه فلا يسأل عن هلكه العرب ، ثم تأتي الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدًا ، و هم الذين يستخرجون كنزه .” رواه أحمد في مسنده .
تلك بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تنبأ عليه الصلاة و السلام فيها بهدم الكعبة و خرابها و إنتزاع حجارتها حجرا حجرا في آخر الزمان علي يد ذو السويقتين الحبشي و لن تعمر الكعبة مرة أخري ثم يكون قيام الساعة و الله تعالي أعلم .
ها نحن مرة أخري علي موعد مع الأحباش كأنهم قدر و مكتوب بل هو كذلك بالفعل ، فها هم يعودون لما فشل فيه أبرهة الأشرم ، لكن حكمة الله التي لا يعلمها إلا هو تقتضي ذلك ، ففي وقت خراب الكعبة لن يكون علي وجه الأرض من يوحد الله بل لن يذكر الله لفظًا و إيمانًا علي الأرض ، فكأن رب العالمين يرفع بيته المشرف من الأرض حتي تقوم الساعة علي أراذل البشر و الله تعالي أعلم .
الماضي و الحاضر و المستقبل بيد الخالق وحده لا شريك له، لا نملك إلا أن نكون عباد الله المخلصين حتي يكتب لنا النجاة ، و لا نملك إلا أن نسأله سبحانه و تعالي العفو و العافية و الستر في الدنيا و الآخرة و أن يرفع مقته و غضبه عنا و أن يولي أمورنا خيارنا و أن ينصرنا علي القوم الكافرين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق