المجتمع

كلام في الحب

بقلم عاصم صبحي

قد لا تصدقني إذا قلت لك أنني كنت أفكر في موضوع غير هذا الذي بين يديك تقرأه الآن ، استوقفتني نقطة من نقاطه بل كلمة جعلتني أرجئ التفكير في ” للكبار فقط ” و أبدأ بالبحث في الحب ، و هنا أعني جملة البحث في الحب و ليس عن الحب .
فالحب موجود بالفطرة في الإنسان ، شعور دفين في النفس البشرية ، تشعر به في جميع مراحل حياتك .
فأنت تحب لعبتك في طفولتك و تحب أباك و أمك و أخوتك ، و تحب ابنة الجيران أو زميلتك في الدراسة ، ثم تحب عملك و تحب صديقك و أسرتك و أبنائك .. نعم ؟!!
فالحب موجود إذًا ، لكن أن تبحث في الحب هذا شئ آخر يستدعي الإهتمام ، ماذا أحب و لماذا و كيف ؟ ، ليست نظرة فلسفية أو كلام مرسل ، فالحب فعل لا قول ، فأنت إذا أحببت عملك انشغلت به اهتممت به تفانيت في اتقانه و اتمامه علي أكمل وجه ممكن ، حتي إذا أخليت بجزء ما فإنه يحسب لك أنك بذلت ما في وسعك لتصل للكمال في انجاز ما وكل إليك من عمل ، قد يقبل منك صاحب العمل تعبك و مجهودك و يغفر لك ذلك الإخلال علي أن يتم ضبطه و إنجازه كما ينبغي أو قد يرفضه جملة و تفصيلا و يراه كأنه لم يكن ، إلا أن حبك هذا لعملك سوف يكون الدافع و المحفز و المنشط الدائم داخلك لا لترضي صاحب العمل بل لتنهي عملك بشكل جميل مبهر تقر له عينيك و تشعر بالسعادة من داخلك تكون دافعًا لإتمام المزيد و المزيد .
كذلك حب الأسرة و الأبناء و الأخوة و كل من حولك ، شعور الحب هذا لا غني عنه في حياة المرء منا ، فبدونه نصبح في غابة يأكل فيها القوي الضعيف ، لا وجود للوداعة و الطمأنينة بل تحل الشراسة و الهمجية و التوحش ، تذهب الأخلاق فتصبح هباءًا منثورا ، تحل الغوغاء و الفوضي و يهان الكريم و يكرم اللئيم ، إلا أن فطرة الله التي فطر الناس عليها باقية يختص الله بها من يشاء من عباده .
وجدت ضالتي في أن منتهي الحب هو حب ما يحبه الله سبحانه و تعالي ، فبحبك لما يحبه الله فإنك إذًا قد أحببت الله جل جلاله ، و ما خاب من أحب الله ، إذًا فماذا يحب الله سبحانه و تعالي ؟! ، وجدتهم ثمانية ، قبل سردهم .. ألا يلفت انتباهك هذا السؤال .. ماذا يحب الله ؟! .. نعم إن الله يحب ، يحب عباده .. كيف لا و هو القادر المقتدر اللطيف الخبير بعباده ، فطوبي لمن أحبه الله سبحانه و تعالي و اختصه بحبه ، فبحب الله لك يحبك جبريل و الملائكة و يوضع لك القبول في الأرض فتري الناس تحبك من أول وهلة ، تري في وجهك البشاشة و الهدؤ و الطمأنينة و تركن إليك بمحبة ، هذا حب الله لك ، ذلك الحب الذي لا يأتي إلا بحبك لله و حبك لله يأتي بالعمل الصالح و أن تكون أحد الثمانية و هم : المحسنون ، و المتقون ، و الصابرون ، و المتوكلون ، و المقسطون ، و التوابون ، و المطهرون أو المتطهرين ، و الذين يقاتلون في سبيل الله صفًا كأنهم بنيان مرصوص ، فإن سعي الإنسان ليكون أحد الثمانية هو حب لله و طاعة له ، يستشعر الإنسان نتائجها في نفسه كلما تشبعت نفسه بها ، و يجني ثمار تلك المحبة في الدنيا و جزيل العطاء و الفوز بالجنة في الآخرة .
و لا يؤخذ كلامي هذا علي أنه تصوفًا ، فإني بعيد كل البعد عن التصوف و المتصوفين ، فأنا أري في العمل عبادة ، و الزواج عبادة ، و تربية الأولاد تربية حسنة عبادة ، حب الخير للناس عبادة ، في الإجمال هو احسان ، فللإحسان معني واسع شمولي يستوعب كل أعمال الخير ، فالله سبحانه و تعالي يحب المحسنون .
و لقد ساق لنا الله جل جلاله في كتابه الكريم القرءان نماذج عدة و معان مختلفة للحب ، منها حب المال من ذهب و فضة و خيل مسومة و نساء ، و منها حب الأولاد كحب نبي الله يعقوب لابنه نبي الله يوسف عليهما السلام ، و حب الشهوة كحب امرأة العزيز لنبي الله يوسف عليه السلام ، و هذا النموذج نعده نموذجا شائعًا بين الناس ، إلا أن القراءة المتأنية لتفسير هذا النموذج من الحب تجد أن المرأة هي التي أحبت و دعت و كادت لتظفر بحبها ، بمعني أن الرجل إذا أحب امرأة فلن يظفر بحبها سواء كان بشهوة أو بدون إلا إذا قبلت هي و استجابت ، و حب الماديات كحب سيدنا سليمان نبي الله عليه السلام للخيل لمرة واحدة حبًا شغله عن طاعة ربه ، فتبرأ عليه السلام من هذا الحب .
و نبينا الكريم محمد عليه الصلاة و السلام أوصانا بقوله : ” تهادوا تحابوا ” ، و قوله عليه الصلاة و السلام : ” أيها الناس أفشوا السلام و أطعموا الطعام و صلوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ” ، و هنا يسن لنا صلوات الله و سلامه عليه سلوك انساني حضاري إذا عملنا به و إتخذناه سلوكا فطريا دائما غير منقطع لتحاببنا و لسري السلام بين الناس و عم الحب و الطمأنينة ، نتهادي فيما بيننا و نفشي السلام ، فلا حقد و لا حسد و لا ضغينة و لا بغضاء ، هكذا الحب في الله و لله ، نجني ثماره طيبة في حياة كريمة في الدنيا ، و حياة أبدية منعمة في نعيم الجنة إن شاء الله .
هذا ما أعنيه ، الحب حب الله و حب كل ما يقرب و يستوجب حب الله ، و الحب لله و في الله ، كن جميل فالله يحب الجمال ، جميل بأخلاقك ، بسلوكك ، برضاك و تواضعك ، جميل في وقوفك مع الحق و للحق ، جميل بصبرك و قوة إيمانك ، إبحث عن الحب داخلك في قلبك ، فالقلب السليم ناج بإذن الله ، إبحث عن الحب في صورك و صور العائلة بالأبيض و الأسود تأمل هذه الصور جيدا ، تأمل العيون و النظرات ، تأمل الحب الذي يطل منها و الحنان الذي يغمر تلك الصور القديمة ، مشاعر افتقدناها بمرور السنوات و لكنها لم تمت بل تحتاج إلي رعاية ، تحتاج إلي أن تروي من جديد بالحب و الحنان و صفاء النية .
تحابوا …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق