كنا إذا لعبنا في الشارع أنا و أقراني و تطلبت اللعبة تكوين فريقين ، كان حتما و لابد أن يتقدم اثنان من المجموعة و اللذان يقع علي عاتقهما تكوين الفريقين أي كباتن الفريقان ، فيتواجها علي مسافة متران علي الأقل ، ثم يبدأان في لعب لعبة تحديد من سيبدأ بالاختيار من بين المجموعة لتكوين فريقه ، تسمي تلك اللعبة مصر / سوريا ، تبدأ بأن يخطو الأول خطوة بوضع قدمه اليمني أمام قدمه اليسري مباشرة بحيث لا يفصل بينهما إلا مليمترات قائلا مصر ، ثم يبدأ الثاني بتنفيذ نفس العملية قائلا سوريا ، و يتقدما هكذا حتي يتقابلا ، و يفوز من تلمس قدمه قدم الآخر الأول ، فيبدأ الفائز باختيار أعضاء فريقه منتقياً أفضلهم بالطبع ..
كبرت و وعيت علي هذه اللعبة و لا أدري من ابتدعها و لماذا مصر و سوريا خاصة ، لم أهتم حينئذ إلا باللعب ، فلم يخطر علي بالي مثلا تساؤل مهم و بديهي ، لماذا لا تكون اللعبة مصر السودان مثلا ؟! ..
ليكن حديثي هنا مبسط خفيف ، بعيد عن القيل و القال ، و نغمة الفرق و الطوائف ، و العصبيات ، و الانتماءات و الحسابات السياسية .
حديثي عنونته بلعب عيال ، عيال لعبوا في الشارع ، عرفوا أن هناك قوتان مؤثرتان تقودان الجمع ، مصر و سوريا ، كل منهما يختار فريقه ، قد يكون أعضاء الفريقان أقوياء لكنهما تحت قيادة إما مصر و إما سوريا ..
مصر بوابة افريقيا الشرقية ، و سوريا بوابة آسيا و أوروبا ، ما بينهما ساحة عظيمة الاتساع تعتبر عمق استراتيجي لكلا الدولتين ، سوريا الشام من منظور أوسع تشمل لبنان و الأردن ، و مصر في أوسع نطاقاتها بلغت حدودها أو اشتملت علي كل الشام و الحجاز و أجزاء من ليبيا و كل السودان و أجزاء من الحبشة و الصومال ، هكذا عرفنا من التاريخ و الجغرافيا .
عمقان استراتيجيان ، حدود رسمت بسواعد قادة عظام ، كانت حروبهم و صولاتهم و جوالاتهم في تلك الساحة العظيمة الاتساع ، فسيطروا و أحكموا قبضتهم عليها و لعل آخرهم هو القائد ابراهيم نجل محمد علي باشا ، هذا القائد الذي جعل من الشرق الأوسط امبراطورية مصرية ، ارتعدت منها و تحالفت عليها أعظم قوي الأرض آنذاك .
مصر ملجأ اللاجئين من شتي أنحاء الأرض ، و مصر مطمع للطامعين ، كذلك سوريا ، كلتا الدولتين تمتازان بالموقع الجغرافي الفريد ، و بالطقس المعتدل ، و بالموارد الطبيعية العظيمة ، و إن كانت لمصر الأفضلية في بعض النواحي ، كلتا الدولتين تكملان بعضهما البعض ، كلتا الدولتين أرض حضارة ، ثالثتهما العراق .
جيشهما واحد ، فإن كان لمصر جيشان ( الجيش الثاني و الثالث ) فإن الجيش الأول هو الجيش السوري .
في حفل بفندق شبرد قامت مجموعة من السوريين بالاحتفاء و تكريم الشاعر الكبير حافظ ابراهيم ، و بهذه المناسبة نظم الشاعر قصيدة كان الهدف منها بث روح الأخوة و المحبة ، قال فيها :
لمصر أم لربوع الشام تنتسب هنا العلا وهناك المجد والحسب
أم اللغات غداة الفخر أمّهما وإن سألت عن الاباء فالعرب
إذا ألمّت بوادي النيل نازلة باتت لها راسيات الشام تضطرب
وإن دعا في ثرى الأهرام ذو ألم أجابه في ذرى لبنان منتحب
لو أخلص النيل والأردن ودّهما تصافحت منهما الأمواه والعشب
نسيمَ لبنان كم جادتك عاطرة من الرّياض وكم حيّاك منسكب
هذه بعض أبيات من القصيدة ، يظهر فيها البعد الثقافي الموحد الذي يجمع الدولتان ، فالتاريخ بينهما ممتد ، رمسيس الثاني شاهد ، الدولة الفاطمية ، الطولونيين ، الاخشيديين ، جمال عبد الناصر .
خلاصة القول أقتبسه من معني حديث شريف لرسول الله عليه الصلاة و السلام ، أننا جسد واحد إذا مرض عضو منه تداعت له سائر الأعضاء بالسهر و الحمي ، شئنا أو أبينا ، هذا هو تاريخنا و مصيرنا و قدرنا ، ليس لنا سوي التمسك بحبل من اللهو نعتصم به جميعا ، و إن استنصرونا فعلينا نصرتهم ، و إن بغوا فعلينا النصح و الارشاد ، و أما الهدي فمن الله وحده ، هدانا الله و إياكم .