مقال

في حب رسول الله

في حب رسول الله

أجري القدر مشيئته فشاء أن يصادف موعد كتابة مقالتي حلول مناسبة المولد النبوي الشريف ، كما صادف من قبل حلول شهر رمضان المبارك ثم عيد الفطر ، كذلك موعد حلول العام الهجري الجديد ، و جميعها مناسبات كريمة شريفة تحل و بين يديها الخير و البركات .
و لما هدانا الله سبحانه و تعالي و يسر لنا الكتابة عن كل مناسبة في حينها ، أشعر بالسعادة و الغبطة الآن لإكتمال بدر المناسبات بحلول تلك المناسبة الكريمة الشريفة و هي مولد سيد الخلق و إمام المرسلين و خاتمهم ، و بدر الدنيا و الآخرة سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة و السلام .
لم أجد حيرة من أمري في كتابة مقالتي هذه ، فالحديث عن سيد الخلق شيق و ممتع ، و لا ينضب فهو غزير و يستغرق كتباً ، فالسيرة العطرة ملأي بما يكفي لنظم مجلدات بلا حصر .
و لما يسر لنا الله سبحانه و تعالي و هدانا للقراءة في السيرة العطرة في أكثر من مصدر ، رأيت أن أتناول بعض من صفاته و أخلاقه عليه الصلاة و السلام بالسرد ، و ذلك كما جاء علي لسان الصحابة الكرام و أمهات المؤمنين عليهن السلام .
و إني ناقل ما يلي من درة الكتب التي تناولت السيرة الشريفة و هو كتاب “الرحيق المختوم” ، لمؤلفه الشيخ “صفي الرحمن المباركفوري” ( ٤ يونيو ١٩٤٣ – ١ ديسمبر ٢٠٠٦ ) ، و هو أحد علماء الحديث في الهند ، تميز بعلمه الغزير و تواضعه الجم ، له عدة مؤلفات بخلاف كتابنا هذا ، منها “المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير” ، و “روضة الأنوار في سيرة النبي المختار” و غيرهما ..
أما عن كتابنا الذي ننقل منه “الرحيق المختوم” فهو مبحث في السيرة ، طبع و نشر حين حاز علي المركز الأول من بين ١٧١ بحثًا جري في مسابقة رابطة العالم الإسلامي في السيرة النبوية الشريفة عام ١٣٩٨ هـ .
و منه ننقل بتصريف بعض مما جاء في “الصفات و الأخلاق” لسيد الخلق عليه الصلاة و السلام :
كان النبي صلي الله عليه و سلم يمتاز من كمال خلقه بما لا يحيط بوصفه البيان ، و كان أثره أن القلوب فاضت بإجلاله ، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره ، فالذين عاشروه أحبوه إلي حد الهيام ، و لم يبالوا أن تندق أعناقهم و لا يخدش له ظفر ، و ما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يعشق عادة لم يرزق بمثلها بشر .
قال علي بن أبي طالب و هو ينعت رسول الله عليه الصلاة و السلام :” لم يكن بالطويل الممغط ، و لا القصير المتردد ، و كان ربعة من القوم ، و لم يكن بالجعد القطط ، و لا بالسبط ، و كان جعدا رجلا ، و لم يكن بالمطهم و لا بالمكلثم و كان في الوجه تدوير ، و كان أبيض مشربا ، أدعج العينين ، أهذب الأشفار ، جليل المشاش و الكند ، دقيق المسربة ، أجرد ، شنن الكفين و القدمين ، إذا مشي تقلع كأنما يمشي في صبب ، و إذا التفت التفت معا ، بين كتفيه خاتم النبوة ، و هو خاتم النبيين ، أجود الناس كفا ، و أجرأ الناس صدرا ، و أصدق الناس لهجة ، أوفي الناس ذمة ، و ألينهم عريكة ، و أكرمهم عشرة ، من ورآه بديهة هابه ، و من خالطه معرفة أحبه ، يقول ناعته : لم أر قبله و لا بعده مثله صلي الله عليه و سلم .
و قال أبو هريرة : ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلي الله عليه و سلم ، كأن الشمس تجري في وجهه ، و ما رأيت أحدًا أسرع في مشيه من رسول الله ، كأنما الأرض تطوي له ، و إنا لنجهد أنفسنا ، و إنه لغير مكترث .
و قال أنس : ما مسست حريرًا و لا ديباجًا ألين من كف النبي عليه الصلاة و السلام ، و لا شممت ريحًا قط أو عرقا قط ، و في رواية : ما شممت عنبرا قط و لا مسكا و لا شيئا ، أطيب من ريح أو عرق رسول الله عليه الصلاة و السلام .
كان النبي صلي الله عليه و سلم يمتاز بفصاحة اللسان ، و بلاغة القول ، و نصاعة لفظ و جزالة قول ، و صحة معان ، و قلة تكلف ، أوتي جوامع الكلم ، و خص ببدائع الحكم ، و علم ألسنة العرب ، يخاطب كل قبيلة بلسانها ، اجتمعت له قوة عارضة البادية و جزالتها ، و نصاعة ألفاظ الحاضرة و رونق كلامها ، إلي التأييد الإلهي الذي مدده الوحي .
و كان الحلم و الاحتمال ، و العفو عند المقدرة ، و الصبر علي المكاره ، صفات أدبه الله بها ، و كان أبعد الناس غضبا و أسرعهم رضا .
و كان من صفة الجود و الكرم علي ما لا يقادر قدره كان يعطي عطاء من لا يخاف فقرا ، قال ابن عباس : كان النبي صلي الله عليه و سلم أجود الناس ، و أجود ما يكون رمضان حين يلقاه جبريل ، و كان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرءان ، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة . و قال جابر : ما سئل شيئا قط فقال لا .
و كان من الشجاعة و النجدة و البأس بالمكان الذي لا يجهل ، كان أشجع الناس ، حضر المواقف الصعبة ، و فر عنه الكماة و الأبطال غير مرة ، و هو ثابت لا يبرح ، و مقبل لا يدبر ، قال علي : كنا إذا حمي البأس و احمرت الحدق اتقينا برسول الله ، فما يكون أحد أقرب إلي العدو منه .
و كان أشد الناس حياء و إغضاء ، قال أبو سعيد الخدري : كان أشد حياء من العذراء في خدرها ، و إذا كره شيئا عرف في وجهه ، و كان لا يثبت نظره في وجه أحد ، خافض الطرف ، نظره إلي الأرض أطول من نظره إلي السماء ، جل نظره الملاحظة ، يقول الفرزدق : يغضي حياء و يغضي مهابته فلا يكلم إلا حين يبتسم
و كان أعدل الناس ، و أعفهم ، و أصدقهم لهجة ، و أعظمهم أمانة ، اعترف له بذلك محبوه و أعداؤه ، و كان يسمي قبل نبوته الأمين ، و يتحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام .
و كان أشد الناس تواضعا ، و أبعدهم عن الكبر ، يمنع عن القيام له كما يقومون للملوك و كان يعود المساكين ، و يجالس الفقراء ، و يجيب دعوة العبد ، و يجلس مع أصحابه كأحدهم ، كان أوفي الناس بالعهود ، و أوصلهم للرحم ، و أعظم شفقة و رأفة و رحمة بالناس ، و أحسن الناس عشرة و أدبًا ، و أبسط الناس خلقا ، أبعد الناس من سوء الأخلاق ، و كان لا يدع أحدًا يمشي خلفه ، و كان لا يترفع علي عبيده و إمائه في مأكل و لا ملبس ، و يخدم من خدمه ، و لم يقل لخادمه أف قط ، و لم يعاتبه علي فعل شئ أو تركه .
كان في بعض أسفاره فأمر بإصلاح شاة فقال رجل : علي ذبحها و قال آخر: علي سلخها ، و قال آخر : علي طبخها ، فقال صلي الله عليه و سلم : و علي جمع الحطب ، فقالوا : نحن نكفيك ، فقال : علمت أنكم تكفوني ، و لكني أكره أن أتميز عليكم ، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه ، و قام و جمع الحطب .
و كان يخزن لسانه إلا عما يعنيه ، يؤلف أصحابه و لا يفرقهم ، يكرم كريم كل قوم ، و يوليه عليهم ، و يسأل الناس عما في الناس ، معتدل الأمر غير مختلف ، الذين يلونه من الناس خيارهم ، و أفضلهم عنده أعمهم نصيحة ، و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة و مؤازرة .
كان لا يجلس و لا يقوم إلا علي ذكر ، و قد وسع الناس بسطه و خلقه ، فصار لهم أبًا ، و صاروا عنده في الحق متقاربين يتفاضلون عنده بالتقوي ، مجلسه حلم و حياء و صبر و أمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، يوقرون الكبير ، و يرحمون الصغير .
كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ، و لا غليظ ، و لا صخاب ، و لا فحاش ، و لا عتاب ، و لا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ، و لا يقنط عنه ، قد ترك نفسه من ثلاث : الرياء ، و الإكثار ، و ما لا يعنيه ، و ترك الناس من ثلاث : لا يذم أحدًا و لا يعيره ، و لا يطلب عورته ، و لا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه ، كأنما علي رؤسهم الطير ، و إذا سكت تكلموا ، يضحك مما يضحكون منه ، و يعجب مما يعجبون منه .
و علي الجملة فقد النبي صلي الله عليه و سلم محلي بصفات الكمال المنقطعة النظير ، خاطبه ربه مثنيا عليه فقال :”و إنك لعلي خلق عظيم” آيه ٤ سورة القلم .
و هذه الخلال التي أتينا علي ذكرها خطوط قصار من مظاهر كماله و عظيم صفاته ، أما حقيقة ما كان عليه من الأمجاد و الشمائل فأمر لا يدرك كنهه ، و لا يسبر غوره ، و من يستطيع معرفة كنه أعظم بشر في الوجود بلغ أعلي قمة من الكمال ، استضاء بنور ربه ، حتي صار خلقه القرءان ؟ .. انتهي النقل ..
اللهم صل و سلم و بارك علي سيدنا محمد و آله و صحبه أجمعين في الأولين و الآخرين .. صلوا عليه و سلموا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق