مقال

أيها الناس

بقلم عاصم صبحي

[٤/‏١٢ ٣:٥١ م] عاصم صبحي: أيها الناس

يقول الله سبحانه و تعالي في محكم آياته : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ” سورة الحج آية 73 ، المثال في هذه الآية الكريمة واضح و بسيط لا يحتاج لأي شرح و تفصيل و تفسير ، إلا إذا سئلت و لماذا الذباب بالتحديد ؟! ، هنا أقول لصغر حجم الذباب و بيان ضعف الأصنام و من يعبدونهم أمام قدرة و عظمة الله الخالق عز و جل في خلق هذا الكائن الصغير الحجم و لو اجتمعوا له .
لست بصدد تفسير الآية الكريمة و لست مؤهلا لذلك ، لكن ما يعنيني هنا هو أسلوب النداء الذي بدأ به ربنا سبحانه و تعالي ، حيث لم يختص فئة معينة بالنداء و إنما كان معممًا للناس كافة ، مؤمنهم و مشركهم ، من أسلم و من هو من أهل الكتاب ، فكان المقصود بالناس وقت نزول الآية هم قريش و ما يعبدون من أصنام ، و لأن القرءان لكل وقت و زمان ، و بالقياس علي زماننا نحن فالناس الآن هم كل من الأرض من بني البشر الأحياء منهم بالطبع .
و لله حكمته البالغة ، فقد استخدم سبحانه و تعالي أسلوب النداء في مواضع عدة ، منها ما سبق ذكره فهو للناس جميعا ، و منها للمؤمنين خاصة و منها للكافرين و المشركين ، و أهل الكتاب علي الأخص .
تارة نري النداء ” يا أيها الذين آمنوا ” ، و تارة ” يا أيها المؤمنون ” ، كما نقرأ ” يا أهل الكتاب ” ، و ” يا أيها الكافرون ” ، ثم نقرأ خصوص الخصوص في نداء المولي عز و جل لرسوله الكريم في ” يا أيها المزمل ” ، ” يا أيها المدثر ” ، ” يا أيها النبي ” ، و ” يا أيها الرسول ” ، كما أن هناك نداءًا خاصًا و محددًا ألا و هو ” يا أيها الانسان ” ، و آخر أكثر خصوصية و هو ” يا أيتها النفس المطمئنة ” ، هكذا نجد أن الله سبحانه و تعالي يخاطبنا جميعًا أيها الناس و يا أيها الانسان ، مما لا يدع مجالًا للشك في أن علينا جميعا سماع و قراءة ما سيتلوه علينا المنادي سبحانه و تعالي ، فالمؤمن و المشرك و الكافر و المسيحي و اليهودي و من ليس له دين ، الكل مطالب بالاستماع إن لم يكن بالقراءة ، بالتالي إعمال العقل و التدبر و استخلاص النتيجة و الحكمة و العبرة من وراء المثل ، و لم يكن الذباب فقط هو محل ضرب الأمثلة و لكن ” إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ” البقرة:26
ثم جاء هذا الشمول و الجمع و الإيجاز في قوله تعالي : ” وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍۢ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ” الزمر -27 ، و قوله تعالي : ” وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ” الكهف – 54 .
إذًا فالأمثلة للناس كافة عربي و أعجمي ، فاسق و تقي ، فكانت من أهم الأمثلة التي ضربت للناس هو مثال قوم سيدنا لوط عليه السلام ، و هو قصة متفردة كتفرد جميع الأمثلة بلا شك ، لكن قوم لوط أتوا بما لم يأت به أحد من العالمين ، و هو إتيان الذكور شهوة من دون النساء ، في حادثة لم يسبقهم إليها أحد من الخلق كافة ، و لقد بينها و فصلها لنا الله عز و جل في كتابه الكريم فكانت من ضمن أحسن القصص التي قصها الله عز و جل علي نبيه محمد عليه الصلاة و السلام .
و لمّا كان الانسان ضعيفًا أمام نزواته و شهواته و نفسه الأمارة بالسوء ، و أمام كيد الشيطان لبني آدم و وسوسته الدائمة للانسان ، فإننا نري القاتل و السارق و الزاني و المرتشي و المطفف و من هو آخذ بفعل قوم لوط ، و لذلك كانت القصص و الأمثال في القرءان الكريم لحكمة و لزيادة العبر و العظات و تذكير المؤمن خاصة و الناس عامة بعاقبة المكذبين من الأمم السابقة .
و لمّا كان الانسان أكثر شئ جدلا ، نري أن الجدل قد احتدم هذه الأيام حول قضية اللواط أو المثلية و المثليون كما يطلق عليهم الآن و حول حقوقهم التي شرعتها لهم دول الغرب ، و اعترفت لهم بحقوق ما أنزل الله بها من سلطان ، و ذهبت بعيدًا تلك الدول الغربية حين فرضت حول تلك الحقوق سياج آمن يحميهم و يحمي حقوقهم و يعادي بل و يجرم كل من تسول له نفسه التعدي علي ذاك السياج بالضرر قولا و فعلا .
و لقد اعتدنا نحن العرب الشرقيين علي مثل هذا الجدل الذي يثار من حين لآخر ، فالأمر ليس بالجديد ، لكن لعل هذه الأيام أتت بجديد و هو فرط العلنية في الاعتراف بحقوق المثلية سياسيا و اجتماعيا و محاولة فرض هذا الاعتراف فرضًا علي كل مجتمعات الأرض قاطبة ، بل و دحر أي صوت يقف في وجه و طريق تلك المحاولة الشرسة و التي كشفت النقاب عن سوء نوايا دول و منظمات و مؤسسات كل هدفها هزيمة العرب الشرقيين المسلمين أصحاب العادات و التقاليد المحافظة الملتزمة اجتماعيا و ثقافيا و دينيا ، و لعل قضية المثلية ما هي إلا أداة من أدوات الشر لكنها أداة حادة نوعا ما عن مختلف أدواته كونها تجمع كل المساوئ في قالب واحد .
و مع وجود و انتشار وسائل التواصل الاجتماعي عمّ الجدل أركان المعمورة بسهولة و خفة ، و ثار النقاش بين هذا و ذاك ، و هنا و هناك ، بين صاحب العلم و من لا علم له ، بين التقي و الفاسق ، و بين الملتزم و الفاجر ، و هو المطلوب ، فما هذا الجدل إلا أداة أخري من أدوات الشر لما قد يترتب عليه من تشكيك في معتقدات و تسليم بحداثة و تطور اجتماعي مزعوم و تعميق الفرقة ، و اعتراف بحريات فاسقة مفتعلة ضرها أكبر من نفعها إن كان لها نفع تحت مسمي حقوق الانسان ، أي انسان ؟! ، الضعيف أم المجادل ؟! ، أم ماذا ؟!
و لكي نلوذ بأنفسنا و ننوء بجانبها عن هذا الجدل المستشري ، و نستمسك بقيمنا و ديننا الحنيف ، و لكي نفرض حول إلتزامنا بقيمنا و عاداتنا و تقاليدنا العفيفة الشرقية الأصيلة و هي الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها سياجًا أشد قوة و عزما و صلابة ، ضرب الله لنا الأمثلة في كتابه المحكم القرءان الكريم ، فكانت الأمثلة في مخاطبة النبي الكريم محمد عليه الصلاة و السلام في أكثر من موضع ، كأن خاطبه فقال له تعالي : ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ” الأحزاب 45 – 48 .
و قوله تعالي : ” إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ” القصص 56 .
و قوله تعالي : ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا { ٢٨ } وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ” الكهف 28 – 29
و قوله تعالي :” فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ، إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ، إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ” الغاشية 21-26
هذه هي الروشتة الربانية و هذا هو القول الفصل و هذه هي الحكمة ، و هذا هو طريق النجاة كما بينه لنا المولي عز و جل في مخاطبته لرسوله الكريم ، فالسبيل واضح و المنهاج سليم لا تشوبه شائبة و لا ينقصه إلا أن نتبعه ، و أن نتذكر و نذكر و نصطبر أنفسنا مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه ، و لعل أعظم الجهاد هو جهاد النفس و تطويعها و إلزامها الصراط المستقيم متي كانت النية صافية لله و القلب سليم ، فعلينا الاختيار و عليه سبحانه و تعالي التيسير ، أما الثواب و العقاب فبيده وحده ، هو يحكم بين عباده ، إنِ الحكم إلا لله .
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)} [الحشر ] .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق